شرف التعرُّض للإهانة: الفرح حتى في المِحَن – مايكل يوسف

تطلَّع إلى مجيئه
ديسمبر 14, 2019
اتبع الراعي
ديسمبر 15, 2019

شرف التعرُّض للإهانة: الفرح حتى في المِحَن – مايكل يوسف

يجد العديد من المؤمنين صعوبة في أن يعيشوا إيمانهم. في دراسة حديثة لمجموعة بارنا Barna، أفاد 60% من الإنجيليين الأمريكيين بأنهم يواجهون مقاومة من الثقافة المحيطة بهم. عندما تغيرت القِيَم والأخلاق المجتمعية، شعر هؤلاء المؤمنون بأنهم عالقون بين ثقافتين. لقد كانت القيم المسيحية التقليدية تتعرض للسخرية في الساحات العامة، وكل من كان يُعبِّر عنها كان يتعَرَّض للرفض وللخسارة المالية. وفي ضوء هذا الضغط الثقافي، فضَّل بعض المؤمنين الصمت، بينما شكك آخرون في معتقداتهم، وقليلون هم من رفعوا أصواتهم وواجهوا العواقب.
ما هو حل هذه المشكلة؟ كيف ينبغي لنا ككنيسة أن نتجاوب مع العداء المتزايد تجاه إيماننا؟

أجاب يسوع على هذا السؤال في مقدمة العِظة على الجبل: “طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ..” (متى 5: 11-12). وفقًا ليسوع، يجب أن يكون الفرح هو ردنا على تلك المُضايقات. لكن كيف يمكن أن يكون هذا؟

يمكننا أن نفرح في مواجهة العداء بل والتمييز من أجل يسوع، وذلك للأسباب التالية:

1) نحن ننتمي إلى المسيح
يوضح سفر أعمال الرسل كيف تحملت الكنيسة الأولى مقاومة مؤلمة عندما كانت تنشر الأخبار السارة عن قيامة يسوع. وفي مرحلةٍ ما، أُحضِر الرسل إلى المجمع وضُرِبوا ووُجِهَت إليهم تهمة التعليم باسم يسوع. وعندما تم إطلاق سراحهم، وهم بعدُ ممتلئون جروحًا ودماءًا بسبب تعرضهم للجَلد، “ذَهَبُوا فَرِحِينَ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ” (أعمال الرسل ٥: ٤١). لقد كانت الإهانة بالنسبة لهؤلاء الرجال شرفًا لأنها تعني أنهم أصبحوا مشابهين ليسوع.

يواجه المؤمنون الآن في جميع أنحاء العالم نفس هذا النوع من الإساءة وبمعدل لم يسبق له مثيل؛ قد تكون الإساءة بالنسبة لبعض المؤمنين هي السجن والتعذيب بل والموت أيضًا، وقد تكون بالنسبة لآخرين هي التمييز والإِبعاد والتعيير. في كلتا الحالتين، يَعِد المسيح بأن المقاومة التي نتعرَّض لها من أجله سوف تشتد.

وإذ نتمسك بالمسيح وسط الضغوط الثقافية المتزايدة لإنكار اسمه، يجب أن تكون ترنيمتنا هي نفس ترنيمة الكنيسة الأولى في سفر أعمال الرسل: الشكر من أجل شرف الإنتماء إلى الملك الحقيقي – مهما كانت الإهانات التي يوجهها العالم إلينا.

2) المسيح هو سبب تعزيتنا
اختبر الرسول بولس الألم، فقد تعرَّض للضرب والرجم وتُرك كَمَيتٍ، وسُجِنَ وكاد يغرق وطُرِد من أكثر من بلدة، ومع ذلك، كان رده على تلك الآلام هو الفرح بالتعزية التي يتلقاها من الله، فكتب إلى أهل كورنثوس قائلًا “لأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ الْمَسِيحِ فِينَا، كَذلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضًا” (2كورنثوس 1: 5).

أحد صراعاتنا في الكنيسة هو أننا نريد تعزية الله بدون مشقة التألم من أجل اسمه، لكن لننظر إلى الكنيسة الأولى وإلى العديد من إخوتنا وأخواتنا في جميع أنحاء العالم؛ لقد اختبروا الفرح الذي لا يُقدَّر بثمن الذي يأتي من خسارة كل شيء من أجل المسيح، واختبروا الرجاء الفائق للطبيعة الذي لا يوجد إلا في زنزانة السجن، واختبروا تعزية المسيح، التي يصعب تفسيرها، وسط البلايا الشديدة. لقد تمسَّكوا به ووجدوا أنه بالفعل الكل في الكل لهم.

3) الله هو قوتنا
لم تكن كنيسة كورنثوس ترغب في التعرُّض للآلام التي تعرَّض لها بولس، لأنهم كانوا يرون أنها دليل على الضعف، وقد كانت سببًا للتشكيك في رسولية بولس. لقد كان مؤمنو كورنثوس يُفضِّلون “رُسُلهم العظماء” الذين برهنوا على قوتهم من خلال إظهارهم للسُلطة والنجاح (2كورنثوس 11: 5). في المُقابل، كان بولس يفتخر في ضعفه ويجد مُتعة بالغة في آلامه، وقد فعل ذلك لأنه تعلَّم من خلال الألم ألا يعتمد على ذاته بل على الله الذي وعده “تكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ” (2كورنثوس 12: 9). لهذا استطاع بولس أن يقول “أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ” (عدد 10).

تؤيد خبرات الكنيسة العالمية نظرة بولس للقوة والضعف، فعلى الرغم من المقاومة الهائلة التي تتعرض لها الكنيسة، إلا أنها تنمو بمعدلات غير مسبوقة؛ فنرى تحوُّل قُرى بأكملها إلى قوة المسيح المُخلِّصة، وتتضاعف الكنائس بسرعة كبيرة لا يستطيع القادة مواكبتها. وهذا النمو لا يحدث على الرغم من المقاومة، بل بسببها. وإذ يعهد اخوتنا وأخواتنا بأنفسهم إلى الله “الَّذِي يُقِيمُ الأَمْوَاتَ” (2كورنثوس 1: 9)، يمنحهم الرب القوة للتحمُّل والرجاء والثقة والفرح. يشهد مثل هذا التجاوُب بقوة حق الإنجيل لكي يتمكن كل من هو أعمى روحيًا في جميع أنحاء العالم من رؤية صلاح الله ورجاء المجد الذي يوجد في المسيح وحده.

4) لنا رجاء لا يخيب
كتب بولس في رسالته إلى رومية قائلاً: “نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً” (رومية 5: 3-4). خلال عِقد من كتابة هذه الرسالة، كان الإمبراطور الروماني نيرون يحرق المسيحيين في حديقته لإنارة حفلاته، وكان يقوم بإعدام الرسولين بطرس وبولس. ومع ذلك فإن اضطهاد نيرون لم يقضِ على الكنيسة، بل ظل جسد المسيح ينمو حتى أنه في خلال ثلاثة قرون أعلن الإمبراطور الروماني إيمانه بالمسيح.

هذه هي الطبيعة المعكوسة للإنجيل فيما يتعلق بالمقاومة المُفعمة بالكراهية. إن رجاءَنا للحياة الأبدية في حضور مجد الله مُتأصَّل في مُخلِّص قد تألم ومات على الصليب من أجل خطايانا: فبموته صار لنا حياة. وهكذا فإن آلامنا لا تُنقِص من قدر الرجاء، بل تجعلنا نُثبِّت أعيننا على مصدره الحقيقي. لا يأتي الرجاء من سهولة الحياة، بل من خلال محبة الله الصادقة الظاهرة في تضحيته بابنه الذي تُخُلِّيَ عنه بدلًا منا.

الفرح حتى في الألم
لا ينبغي أن يفزع المؤمنين من التمييز المُتزايد ضدهم في كل مكان، بل يجب أن يقودهم هذا إلى الرجاء المأمول. يمكننا أن نفرح لأننا قد حُسِبنَا جديرين بالتألُّم من أجل المسيح، عالمين أنه سيتمجد في صبرنا وفي اتكالنا عليه. قد يستخدم الله آلامنا في وقتٍ ما لدعم خطته للعالم، لكن أيًا كانت مقاصده، يمكننا أن نفرح بحقيقة أنه يعمل كل شيء لخيرنا.