Baptism_2000x833 jpg

المعمودية باسم يسوع المسيح

أهمية المعمودية

في سفر الملوك الثاني، سافر قائد عسكري سرياني يُدعى نُعمان إلى مدينة السامرة بحثًا عن علاج لمرض البَرَصْ. لقد سمع عن إله إسرائيل من فتاة اسرائيلية تم سبيها خلال غارة آرامية على إسرائيل قبل بضع سنوات. كان نُعمان يتوق إلى الراحة، لذلك استمع إلى الفتاة وقام برحلة جنوباً ومعه الكثير من الفضة والذهب.

عندما وصل نُعمان وحاشيته إلى بيت أليشع النبي، لم يأتِ أليشع لمقابلته عند الباب، بل أرسل إليه خادِمَهُ برسالة قائلًا: اذْهَبْ وَاغْتَسِلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الأُرْدُنِّ، فَيَرْجعَ لَحْمُكَ إِلَيْكَ وَتَطْهُرَ” (2ملوك 5: 10). لم يكن هذا ما أراد نُعمان سماعه، فقد كان يريد علاجًا موحى به من الله؛ كأن يضع نبي الله يديه عليه ويدعو بإسم الرب فيُشفى. لقد أراد نُعمان معجزة، لكن بدلاً من ذلك، تلقَّى تعليمات بالاغتسال فقط. لا بد أن نُعمان كان يتساءل عن ما فائدة الاغتسال في النهر؟.

العديد من المؤمنين الجدد لديهم شعور مماثل عندما يتعلَّق الأمر بالمعمودية؛ فما الفرق الذي يمكن أن يُحدثه الغمر بالماء؟. لكن يسوع كان واضحًا في هذا الأمر، إذ قال لتلاميذه: “فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ” (متى 28: 19-20).

يريد يسوع أن يعتمد أتباعه، فما الذي ينبغي أن نؤمن به فيما يختص بالمعمودية؟

 

المعمودية والخلاص

عندما نقرأ في العهد الجديد، نجد المعمودية مذكورة في كل موضع. لا عجب من أن بعض الناس يعتقدون أن مياه المعمودية تلعب دورًا في خلاصهم، بل ويمكن لهؤلاء الأشخاص أيضًا أن يشيروا إلى آيات كتابية قد تبدو داعمة لهذا الاعتقاد. على سبيل المثال، يسجل إنجيل مرقس قول يسوع “مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ” (مرقس 16: 16).

تُعلِّم بعض التعاليم اليهودية أن المعمودية ضرورية حقًا لغسل خطايانا، لكن هذا التعليم ليس كتابيًا، فكلمة الله واضحة في هذا الشأن، وهي أن الناس يخلصون بالنعمة من خلال الإيمان بيسوع المسيح – لا أكثر ولا أقل.

كتب بولس الرسول: “لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ” (أفسس 2: 8). في حالة ما إذا كنت تتساءل عن ضرورة المعمودية للحصول على نعمة الخلاص، تابع القراءة: “بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ” (العددين 8 و9). بعبارة أخرى، ليس هناك ما يمكننا فعله لكسب نعمة الله، ولا حتى الخضوع للمعمودية.

ولكن ماذا عن ما قاله يسوع في مَرقُس 16: 16؟ أول شيء يجب أن نلاحظه هو أن يسوع ربط الإيمان بالمعمودية. لم يقل “من اِعتمد خلص”، بل قال “من آمن واعتمد خلص”. يجب أن نؤمن بيسوع المسيح لغفران الخطايا.

النصف الثاني من عدد 16 يقول أيضًا: “… وَمَنْ لَمْ يُؤمِن يُدَنْ”. لاحظ أن يسوع لم يقل: “وَمَنْ لَمْ يُؤمِن وَلَم يَعْتَمِدْ يُدَنْ”. مرة أخرى، من الواضح أن الجزء الأساسي هو الإيمان، أما عدم الخضوع للمعمودية فلن يُدين أحد، ولن يُخلِّص أحد أيضًا.

 

الغرض من المعمودية

المعمودية لا تخلصنا ولكنها تغسل خطايانا. إنها لا تجعلنا أبرار أمام الله، لكن العهد الجديد يُوضِّح أنه يجب على المسيحيين أن يعتمدوا. ما الغرض إذَن من المعمودية؟

المعمودية علامة للمؤمنين: المعمودية علامة ورمز لإيمان المؤمن بيسوع، وأحد أهداف المعمودية هو تذكيرنا بأننا مُتنا مع يسوع وقُمنا إلى حياة جديدة. كتب بولس “مَدْفُونِينَ مَعَهُ (مع المسيح) فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ (كولوسي 2: 12). المعمودية هي صورة مادية لواقع رُوحي؛ فالشخص الذي يَعتمد ينزل تحت الماء مثلما يحدث في الدفن، ويصعد مرة أخرى مثل القيامة.

أمر الله العديد من أنبيائه في العهد القديم بالقيام بمُهِمَّات جسدية لتوصيل حقائق روحية لشعبه. على سبيل المثال، أمر الله هوشع أن يتزوج من زانية ليوضح كيف زنا شعب اسرائيل روحيًا وذهب وراء آلهة أخرى (هوشع 1: 2). كذلك طلب الله من حزقيال النبي أن يرتحل ويسير أمام الشعب ليُبيِّن لهم أنهم سيرتحلون قريبًا من أجل سبي بابل بسبب تمرُّدهم المستمر وعدم طاعتهم لله (حزقيال 12: 1-7).

وهكذا، فإن المعمودية هي علامة على أننا مُتنا عن الخطية وأننا الآن جزء من خليقة جديدة. إنه عمل إيمان نبوي للمؤمن الذي يتم تعميده، وهو أيضًا تذكير مُشجِّع لكل المؤمنين المُجتمعين ليشهدوا هذا الفعل.

المعمودية هي شهادة للعالم: قال يسوع: “فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. (متى 10: 32-33). عندما نؤمن بالمسيح، تكون المعمودية هي إحدى أُولَى الفرص لدينا للوقوف علانية أمام العالم واعلان أننا ليسوع، وأنه ربنا ومخلصنا.

ليست المعمودية شيئًا تتفاخر به، بل هي وسيلة تُعلِن بها أنك خاطيء وبحاجة إلى نعمة الله، وأنك تُبْت والتزمت بالإيمان بيسوع الذي مات من أجلك، وبذلك تكون قد مُت عن ذاتك القديمة وقُمت إلى حياة جديدة، لكي تكون حياة يسوع مُعاشة من خلالك. إنها عبارة قوية ودعوة لا مثيل لها لمن هم في احتياج روحي حقيقي.

المعمودية هي طقس تكريسي: أخيرًا، المعمودية بالنسبة لمؤمني العهد الجديد هي كالختان بالنسبة  لبني إسرائيل في العهد القديم. يوضح بولس هذه العلاقة في رسالة كولوسي: “وَبِهِ أَيْضًا خُتِنْتُمْ خِتَانًا غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ، بِخِتَانِ الْمَسِيحِ. مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ” (كولوسي 2: 11-12).

في العهد القديم، كان الختان علامة على العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم، وكانت تُميِّز أعضاء جماعة العهد (كان النساء يتميزن بأن لهن أبًا أو زوجًا مختونًا). هكذا المعمودية أيضًا هي علامة الانضمام لعضوية جماعة الكنيسة التي هي جسد المسيح هنا على الأرض (1كورنثوس 12: 13).

نحن ننتمي ليسوع

عندما خرج نُعمان من نهر الأردن للمرة السابعة، نظر إلى أسفل فوجد أن “لَحْمُهُ قَدْ رَجع كَلَحْم صَبي صَغِير” (2ملوك 5: 14). بالطبع، لم يكن الماء هو الذي شفى نُعمان، بل قوة الله التي أُتيحت لنُعمان عندما مارس إيمانه. لقد جاءت “معموديته” في نهر الأردن كعلامة ظاهرية على إيمانه بالرب.

تُعَد المعمودية علامة على إيماننا بيسوع وانتمائنا له، وعلى الرغم من أن الماء لا يُغِّير جسدنا كما حدث مع نُعمان في نهر الأردن، إلا أنه يشير إلى  تغيير آخر لا يقل أهمية، وهو حصولنا على الفداء ومغفرة خطايانا، وتبنِّي الله لنا لنكون أولاده.