المرأة والدرهم المفقود
أغسطس 14, 2023
الأب والابن البكر
أغسطس 16, 2023

الأب والابن الأصغر

اقرأ لوقا 15: 11-24

‘‘فَقَامَ وَرَجَعَ إِلَى أَبِيهِ. وَلكِنَّ أَبَاهُ رَآهُ وَهُوَ مَازَالَ بَعِيداً، فَتَحَنَّنَ، وَرَكَضَ إِلَيْهِ وَعَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ بِحَرَارَةٍ’’ (لوقا 15: 20)

جاء الابن الأصغر إلى أبيه وطالبه بكلّ دناءة بإعطائه الحصَّة التي تخصُّه من الميراث في الحال. إنَّ طلبًا مثل هذا في الثقافة الشرق أوسطيَّة هو بمثابة القول للأب، ‘‘ليتك كنت ميتًا’’

ربَّما لم يتمكَّن الفريسيون المستمعون إلى القصَّة من تصديق مستوى الوقاحة التي أظهرها الابن، لكنَّهم صُدموا حتمًا بردّ فعل الأب الذي استجاب لطلب ابنه وأعطاه القسم الذي يُصيبه من الميراث وسمح له بالرحيل. أراد يسوع، من خلال هذا المثل، زرع الارتباك والحيرة في نفوسهم لدى معاينة محبة الأب السخية والمتواضعة التي لا تنضب والتي لا يُسبَر غورها، وهي ترمز حتمًا إلى محبَّة الآب السماوي

لم يحفظ الابن الأصغر خطّ الرجعة، أو أقلّه هذا ما كان يظنُّه. فمضى في طريقه، وبدَّد أمواله في بلد بعيد، وبعد فترة قصيرة، وجد نفسه وحيدًا ومحتاجًا، فعمل لدى أحد أصحاب مزارع الخنازير، ولشدَّة فقره، كان يشتهي أن يملأ بطنه من طعام هذه الحيوانات، وفي النهاية، رجع إلى نفسه وقرَّر العودة إلى دياره

كان الابن يعلم أنَّه لا يستحق أن يرجع إلى أبيه بدالة البنين، لكنَّه قال لنفسه إنَّ أباه قد يقبله كأحد المأجورين لديه. يكمن هذا الاختبار في صُلب الإيمان المسيحي، فالإنسان لا يحني ركبتيه للرب يسوع المسيح إلَّا عندما ينهار بالكامل ويدرك حاجته الماسة إلى مخلِّص. عندئذٍ فقط، سيأتي ويقول، ‘‘يا أبتاه، اغفر لي’’

كان المستمعون إلى يسوع يتوقَّعون من أي أب يهودي يجد نفسه في موقف مماثل أن يوبِّخ ابنه ويرغمه على تحمّل الذلّ والازدراء ليكسب غفرانه. لكن لم تكن هذه ردّ فعل الأب الذي تحدَّث عنه يسوع في هذا المثل، ‘‘وَلكِنَّ أَبَاهُ رَآهُ وَهُوَ مَازَالَ بَعِيداً، فَتَحَنَّنَ، وَرَكَضَ إِلَيْهِ وَعَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ بِحَرَارَةٍ’’ (لوقا 15: 20). جرت العادة في الثقافة الشرق أوسطية أن يمتنع الرجل المحترم عن الركض، لما في الأمر من إهانة لمكانته، لكنَّ محبَّة الأب العظيمة لابنه دفعته إلى نسف هذه العادة، فتحمَّل العار من أجل فلذة كبده

رجع الابن الأصغر إلى أبيه كما هو. رجع وسخًا ومتعبًا وجائعًا. إخوتي وأخواتي، كلُّ ما يمكننا فعله هو الارتماء عند أقدام الآب السماوي كما نحن. يكفي أن نتوب ونسلّمه أنفسنا لكي يفرح بنا ويعانقنا للدلالة على قبوله لنا، ولكي يقبِّلنا للدلالة على مصالحته لنا، ولكي يطهِّرنا للتأكيد على غفرانه لنا، وهو يُلبسنا رداءه كعلامة على بر المسيح

صلاة: أبي السماوي، أشكرك لأجل محبَّتك العظيمة وغفرانك. أنت غمرتني برأفتك وسخائك حين صالحتني وقبلتني وجعلتني ابنًا حبيبًا لك. أصلي باسم يسوع. آمين